كنوز ثاج الذهبيّة المكتشفة سنة 1419هـ ، 1998م

منذ سنة

الآثار تروي الكثير، حين تتحدث . وبلادنا المملكة العربية السعودية تزخر بالعديد من المواقع التاريخية والأثرية ذات النشاط البشري المؤثر في تاريخ البشرية منذ قرون خلت، في مختلف مناطقها ومحافظاتها، ما كان سبباً لاستمرارية جذب الدارسين والباحثين عن الآثار للوصول إلى معلومات ضاربة في أعماق التاريخ في سبيل التعرف على الحضارات السالفة . ومن بينها المنطقة الشرقية التي تتمتع بالعديد من المواقع الأثرية العائدة لحضارات تمتد لآلاف السنين قبل الميلاد ، ما لايقل عن أربعمائة موقع أثري فيها بحسب ما أُثبتته الكشوفات و الحفريات التي أجريت فيها، وهذا عامل جذب و حافز نحو بذل المزيد من الأبحاث والدراسات و استمرار التنقيبات فيها؛ لترمي الضوء على حضارات في شرق المملكة وتساعد في التعرف على إجابات كثيرة حار فيها المؤرخون والباحثون .

ومن بين المواقع الأثرية التي جرت فيها حفريات تنقيبيه متعدّدة واكتشافات أثرية هامة ومميزة : ثاج التي يعود تاريخها للحضارة الهلنستية أي ثلاثة قرون قبل الميلاد حتى القرنين الأول وَالثاني بعد الميلاد حسب المصادر التاريخية والأثرية، وتقع في جنوب محافظة النعيرية ، وشمال غرب محافظة الجبيل . واليوم الحاضر ثاج مركز تابع ادارياً لمحافظة النعيرية من المنطقة الشرقية.

لقد أجريتُ زيارة لثاج مع بعض الزملاء من منسوبي هيئة المتاحف بالدمام في سنة 1443هـ ، بهدف الاستكشاف والتعرّف عليه من قرب  والتي تبعد عن مدينة القطيف من جهة الشمال الشرقي حوالي 168 الى 174 كيلومتر مربع ، وتبعد عن محافظة الجبيل غرباً حوالي 85 - 90كيلومترمربع . وأخذنا جولة على مواقع التلال الأثرية والآبار الأثرية فيها،وكان من بينها(تل الزاير).الذي وقفنا عليه وكان مسوراً ويرمز له ثاج رقم(1)،شاهَدناً خلال الزيارة ظاهر القبر المغلق بالحجر الجيري ، وجواره آثار مصنع الفخار القديم الذي تم كشفه في الموسم التالي (الثاني) من قبل الفريق الأثري .

خلال العقود الخمسة الماضية أجريت حفريات تنقيبية عدّيدة وَمسوحات أثرية ، لكن من أهمها حفرية تنقيبية انقاذية لأحد التلال الأثرية فيها أجراها فريق علمي أثري من منسوبي المتحف الإقليمي بالدمام برئاسة وليد الزاير -رحمه الله- في شهر صفر من سنة ( 1419هـ / 1998م ) ، ونجحت في تحقيق أحد أهم الكشوفات الأثرية و التاريخية الهامة فيها ، أطلق عليه اسم : (تل الزاير) ؛ وذلك بعد صدور موافقة معالي وزير المعارف الأسبق الأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد (رحمه الله) ، تكريماً وتخليداً لذكرى رئيس فريق التنقيب الذي وافاه الأجل المحتوم فترة توليه الأشراف على أعمال الفريق وقبل انتهاء أعمال الحفريّة ، نتيجة حادث مروري حدَث له في طريق الخليج بمدينة سيهات أثناء رجوعه لمدينة القطيف بنهاية دوام يوم الأربعاء الموافق 9 / 2 / 1419هـ . وكانت تلك الحفرية آخر اعماله وانجازاته الأثرية بقيادته - رحمه الله - وكان - يومئذ - يشغل منصب مدير إدارة الشؤون الثقافية والمتحف الإقليمي بالدمام الذي كان تابعاً -للإدارة العامة للتعليم بالمنطقة الشرقية(حينما كان قطاع الآثار والمتاحف تحت اشراف وزارة المعارف ) .

يقع (تل الزاير) في شرق إمارة ثاج، وَقد أًصبح بعد كشفه سنة1419هـ معلماً أثرياً و تاريخياً وسياحياً بارزاً فيها ، وَيعُد نقطة مثبتة وَ مسجل باب سوره برمز له الرقم (1) .

وَمن أبرز ما عثر عليه وكشفه الفريق الأثري ، كنوز ذهبية وأخرى متنوّعة جذبت الأنظار نحوها ودفعت الدارسين والباحثين والمهتمين لدارستها . أبرزها ما شاهدناه خلال إحدى زياراتنا للمتحف الوطني بالرياض معروضاً في قسم المماليك العربية .

نشير باختصار لأبرز نتائج ما كشفته حفرية ثاج (تل الزاير) الناجحة حسبما نشره الفريق في تقريره العلمي في مجلة أطلال حولية الآثار العربية السعودية (عدد16 ، سنة 1421هـ /2001م) في ما يلي :

قبر ، وَداخله هيكل عظمي (رُجح بعد دراسته أنه لفتاة عمرها قرابة 9سنوات) مسجى على سرير جنائزي،وعليه الحُلي الذهبية المتنوعة من الرأس إلى أسفل القدم ، دلالةً على أنها من عِلْية القوم في زمانها .

وقد عُدّ أهم مدافن التلال المكتشفة في ثاج خلال موسم صيف 1998م ؛ الذي تميزت مكتشفاته بعدة خصائص ومواصفات من أبرزها : الطراز ، النوع ، الندرة ، وكانت متكاملة ، أيضاً تكمن أهميتها وقيمتها في المعلومات التاريخية التي أوصلت لها بعد الدراسة والتحليل والاستنتاجات . حتى أرّخت للقرن الأول الميلادي .

إذاً من الطبيعي مع هذا الزخم الكبير من النتائج الناجحة التي أسفرت عنها الحفرية أن تنشهر ثاج أكثر وتصبح أيقونة الأعمال الأثرية بفضل ما تحقّق من نتائج علمية مبهرة ومعلوماتية نفيسة تحققت على يد نخبة من علماء الآثاريين السعوديين بامتياز .

أضف لذلك ، رغم أن هذه الكنوز الأثرية المميزة بتنوعها وكميتها الثرية ومعلوماتها القيمة هي مؤشّر على اهتمام أسرة الفتاة وما أولته من اهتمام كبير نحوها، وعن تقاليد وحضارة وثقافة ومعتقدات من سكن في ثاج خلال تلك الحقبة الزمنية المعروفة بـ(الهلنستية) إلّا أنها كانت مصدر أثري وتاريخي مساند للمؤرخين والباحثين والمهتمين بأن رجحوا أن ثاج هي مدينة الجرهاء ، التي لايزال البحث الآثاري العلمي اليوم جارياً عن حقيقة مكانها .

ختاماً : لاتعدوا هذه المقالة القصيرة من أن تكون قد فتحت آفاق للقارئ نحو التوسّع في معرفة تفاصيل كنوز ثاج الأثرية وقراءة تاريخ هذا المعلم الأثري والتاريخي وغيره من المعالم الأثرية في ثاج موطن الحضارات القديمة ، من مختلف الحقول المعرفية ، ومنابعه العلمية .

* المصادر و المراجع (مرتبة هجائياً ) :
الحشاش،عبدالحميد وآخرون.(1421هـ):تقرير حفرية ثاج"تل الزاير"لموسم1419هـ /1998م . حولية أطلال . العدد : ( 16 ) . وكالة الآثار و المتاحف بوزارة المعارف . الرياض .

الزاير ، نذير خالد . (1441هـ) : تل الزاير : آثار من ثاج شرق المملكة العربية السعودية . مطابع الرجاء ، مدينة الخبر ، المملكة العربية السعودية.

الزهراني ، عوض . (1435هـ ) : ثاج دراسة أثرية ميدانية .الهيئة العامة للسياحة و الآثار . الرياض . المملكة العربية السعودية ,

عفيصان ، فهدة بنت سلمان. (1437هـ ) : حلي الزينة القديمة في ثاج شرق شبه الجزيرة العربية دراسة فنية حضارية .رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير في قسم الآثار بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود بالرياض ، إشراف : أد.عبد العزيز الغزّي .

الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (14يوليو ــ 27سبتمبر2010م): دليل معرض" طرق التجارة القديمة روائع آثار المملكة العربية السعودية" ، متحف اللوفر ، باريس ، مكان الطبع : إيطاليا .